”دراهم المشماش يروحو في الباكور” هو مثل شعبي قديم، ليس متداولا كثيرا، والأصل فيه هو أن تجار المشمش كانوا يأتون به وهو نصف ناضج من منطقة نقاوس عروس الأوراس، وهي مدينة تقع جنوب غرب ولاية باتنة ، ثم يبيعونه في الشمال بأسعار باهضة ويشترون به ”الباكور” أو التين، ويذهبون به إلى المناطق الجنوبية، غير أنهم عندما يصلون إلى وجهتهم سيكون “الباكور” قد تلف في الطريق· وبالتالي فإن الربح الذي أخذه التجار بطريقة استغلالية سيضيعونه بسرعة، لأن المؤمن ينبغي أن يرفق بإخوانه ويرضى بالربح القليل، ولأن المسلم أخ المسلم، ومن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته. يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم “يسروا ولا تعسروا”..
حكم وأمثال شعبية سودانية
عزيزي القارئ، نستضيف هذه المرة موروث السودان الشعبي، ونورد لك هذه المرة بعضاً من الحكم والأمثال السودانية
سمح الغنا في خشم سيدو
المال تلتوا ولا كتلتوا
التسويها بايدك تغلب اجاويدك
الجمرة تحرق الواطيها
الراجل افجخي بصلة قبل ما يبقي اصلة
بليلة مباشر ولا ضبيحة مكاشر
قلبي على جناى وقلب جناي على حجر
إن جاتك في مالك سامحتك … وإن جاتك في نفسك بكتك إقرأ المزيد
ما أبيضش من الجير ويتلاح في الركاني، وما أكحلش من الجاوي وينباع غالي
قيمة المرء ما يحسنه كما يقول الإمام علي كرم الله وجهه، وقيمة الشيء بفائدته وليس بشكله ولونه أو مظهره، وفي المثل الشعبي “لا شيء أكثر بياضا من الجير ولكنه يرمى في غالب الأحيان، ولا أكثر سوادا من بخور الجاوي ولكنه يباع بأغلى الأثمان” والجير مصدره من الطين والمركبات الصخرية الجيرية وله فائدة تقوية التربة، أما الجاوي فهو بخور منه الأسود والأحمر، والأول أفضل وأعطر رائحة ويستعمل للتعقيم في البيوت والوقاية من الأمراض ويقال أنه يطرد الشياطين، ورغم أن الجير أيضا له فائدته إلا أن العبرة في المثل هي أن المظاهر لا تهم بقدر ما هو عليه باطن الشيء، ونحن في زمن متخلف يستمد أغلبنا معايير مكانته من الشكليات والمظاهر الخارجية، متناسيا ما يحتويه الداخل من مكنونات نفسية تسمو به، وما يستطيع أن يقدمه من أعمال جلية تفيد الآخرين.. حينها فقط يمكن أن يكون في مرتبة “أبيض من الجير وأغلى من الجاوي”.
إذا صاحبك أعور شوفو على العين الصحيحة
يضرب هذا المثل في التعامل مع الأصدقاء، “إذا كان صديقك لا يقدر الأمور على حقيقتها، فانظر إليه بطريقة أفضل وأقرب إلى الحق”، يقول الأصمعي: (ولا تقطع أخاً من أجل ذنبٍ * فإن الذنب يغفره الكريمُ)، عامل صديقك وفق أخلاقه الحسنة وأذكرها دائما وغض الطرف عن سيئاته، ولكن إحذر: ليس لدرجة أنك تهوي معه في كل أموره فالصاحب ساحب كما يقال، ولا تنسى أن غض الطرف عن سيئاته لا يعني أنك لا تبوح له بها، فهناك مثل مغربي آخر يقول”تبغي صاحبك يدوم، حاسبه كل يوم”، وتقول العرب: “الصديق الصالح من أهداك عيوبك”، فكن أنت صالحا وأنظر إلى عيوب أخيك الأعور في نظرياته ووجهه إلى ما هو أفضل متناسيا نظراته العوراء إليك، ومشيدا بالعين الصحيحة المقصودة في المثل الشعبي، وكن على ما قاله الإمام علي كرم الله وجهه “الصديق الصدوق من نصحك في عيبك، وحفظك في غيبك، وآثرك على نفسه”.
وطني وطني ولا الفراش القطني
وفي صيغة أخرى يقال “وطني وطني ولا رقاد القطني” تفضيل للوطن وحبه وحب العيش فيه على أي أرض كانت، حتى وإن كان الإنسان معززا بطيب العيش ورغده، لأنه سيفقد الكثير من معان العيش هناك، معان لا يجدها إلا في جنبات الوطن الذي نشأ على أرضه وترعرع بين أبنائه، لذلك فقد أخذ الوطن من الإنسان شعورا يختلج نفسه ولحمه ودمه.. إن حب الوطن فطرة في الإنسان مثل حب المال الذي ينازع حب النفس ودليل ذلك أن الله سبحانه وتعالى يقول: { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ …} ولذلك كان الموت دفاعا عنها يشرف صاحبه بمقام الشهداء، لقول النبي (ص) “من مات دون أرضه فهو شهيد، ومن مات دون عرضه فهو شهيد، ومن مات دون ماله فهو شهيد”، وقد وقف النبي يخاطب مكة المكرمة وعيناه دامعة وقلبه حزين بعدما أخرج منها: ” ما أطيبك من بلد ، وأحبك إليّ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك”.. ولله در أحمد شوقي الذي يقول : “وطني لو شغلت بالخلد عنه .. نازعتني إليه بالخلد نفسي”.. (الجزائر)